فن الرسائل في العهد الزياني 366 ه 239 ه مقاربة تاريخية تحليلية

Abstract

منذ أن وطئت أقدام العرب الفاتحين أرض المغرب العربي بدأ نور الإشعاع والتطور يبزغ جليا ويلوح في الأفق عبر عصور مختلفة، ونخص بالذكر هنا المغرب الأوسط (الجزائر) الذي احتضن أقواما وشعوبا كثيرة بدءا من الرستميين والمرابطين، والموحدين ووصولا إلى دولة الزيانيين، هذه المملكة التي تعدّ جوهرة المغرب العربي، والتي ظلت تلمسان عاصمة لها على ممر ثلاثة قرون، حيث كانت زاخرة بالإنجازات وخلّف أهلها وبخاصة العلماء والأدباء والفقهاء إرثا حضاريا وثقافيا بامتياز على جميع الأصعدة وفي شتى المناحي والمجالات الفكرية والثقافية، ومن بينها المجال الأدبي الذي يعدّ مرآة عاكسة لثقافة الشعوب ومدى تحضرهم. هذا الأدب الذي مرّ بمراحل مختلفة وشهد ازدهارا كبيرا شمل جميع فنونه النثرية والشعرية حتى صار ينافس أدب المشرق الذي طغى على الساحة الأدبية وذاع صيته في الآفاق، لكن بالرغم من ذلك فإن المتتبع للدراسات الأدبية التي اهتمت بالأدب المغاربي القديم يقف على حقيقة مفادها أن جل هذه البحوث قد انصبت على الأدب الأندلسي الذي أولته اهتماما بالغا، وغضّت الطرف في كثير من الأحيان عن الأدب الزياني الذي ظل مدة طويلة حبيس المصنفات التاريخية وكتب التراجم والسيّر مما يجعله يحتاج إلى من يصنّفه وفق سياقه التاريخي والجغرافي، والحمد لله الذي سخّر له رجالا أكفاء يعكفون على دراسته ويولونه أهمية كبيرة بل ويحصرون نطاق تخصصهم عليه دون غيره إيمانا منهم بروح الانتماء والاعتزاز بتاريخ الأمة وإنجازاتها على مرّ العصور. لكن جل هذه الدراسات في نظرنا تظل ناقصة ولم تلم ولا تحيط بجميع جوانبه، فأغلبها قد ركّز أصحابها اهتمامهم على الجوانب التاريخية للأدب الزياني ودراسة الشخصيات الأدبية وإسهاماتها في هذا الميدان، وقد مالت الكفة فيها لصالح الشعر على حساب النثر، ولعل هذا الأمر له ما يفسره ويبرره لقلة النصوص الأدبية النثرية لأسباب عديدة.